فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{يوم يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا}
{يوم} متعلق بقوله: {لا يملكون منه خطاباً} [النبأ: 37]، أي لا يتكلم أحد يومئذ إلاّ من أذن له الله.
وجملة {لا يتكلمون} مؤكدة لجملة {لا يملكون منه خطاباً} أعيدت بمعناها لتقرير المعنى إذ كان المقام حقيقاً، فالتقرير لقصد التوصل به إلى الدلالة على إبطال زعم المشركين شفاعة أصنامهم لهم عند الله، وهي دلالة بطريق الفحوى فإنه إذا نُفي تكلمهم بدون إذن نفيت شفاعتهم إذ الشفاعة كلام مَن له وجاهة وقبول عند سامعه.
وليبنى عليها الاستثناء لبُعد ما بين المستثنَى والمستثنى منه بمتعلقات {يملكون} [النبأ: 37] من مجرور ومفعول به، وظرففٍ، وجملة أضيف لها.
وضمير {يتكلمون} عائد إلى ما عاد إليه ضمير {يملكون}.
والقول في تخصيص {لا يتكلمون} مثل القول في تخصيص {لا يملكون منه خطاباً} [النبأ: 37] وقوله: {إلا من أذن له الرحمن} [طه: 109] استثناء من ضمير {لا يتكلمون} وإذ قد كان مؤكداً لضمير {لا يملكون} فالاستثناء منه يفهم الاستثناء من المؤكَّد به.
والقيام: الوقوف وهو حالة الاستعداد للعمل الجِد وهو من أحوال العبودية الحق التي لا تُستحق إلا لله تعالى.
وفي الحديث: «من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار» أي لأن ذلك من الكبرياء المختصة بالله تعالى.
و{الرُّوح}: اختلف في المراد منه اختلافاً أثاره عطف {الملائكة} عليه فقيل هو جبريل.
وتخصيصه بالذكر قبل ذكر الملائكة المعطوف عليه لتشريف قدره بإبلاغ الشريعة، وقيل المراد: أرواح بني آدم.
واللام لتعريف الجنس: فالمفرد معها والجمع سواء.
والمعنى: يوم تُحْضَر الأرواح لتودع في أجسادها، وعليه يكون فعل {يقوم} مستعملاً في حقيقته ومجازه.
و{الملائكة} عطف على.، أي ويَقوم الملائكة صفّاً.
والصف اسم للأشياء الكائنة في مكان يجانبُ بعضُها بعضاً كالخط.
وقد تقدم في قوله تعالى: {ثم ائتُوا صفاً} في سورة طه (64)، وفي قوله: {فاذكروا اسم اللَّه عليها صواف} في سورة الحج (36)، وهو تسمية بالمصدر من إطلاق المصدر على اسم الفاعل، وأصله للمبالغة ثم صار اسماً، وإنما يصطف الناس في المقامات التي يكون فيها أمر عظيم فصفّ الملائكة تعظيم لله وخضوع له.
والإذن: اسم للكلام الذي يفيد إباحةَ فعل للمأذون، وهو مشتق من: أَذِن له، إذا استمع إليه قال تعالى: {وأذنت لربها وحقت} [الانشقاق: 2]، أي استمعت وأطاعت لإِرادة الله.
وأذِن: فعل مشتق من اسم الأذْن وهي جارحة السمع، فأصل معنى أذِنَ له: أمال أذنَه، أي سَمْعَه إليه يقال: أذن يأذَن أذناً كفَرح، ثم استعمل في لازم السمع وهو الرضى بالمسموع فصار أذِنَ بمعنى رضي بما يطلب منه أو ما شأنه أن يطلب منه، وأباحَ فعله، ومصدره إذن بكسر الهمزة وسكون الذال فكأنّ اختلاف صيغة المصدرين لقصد التفرقة بين المعنىين.
ومتعلق {أذن} محذوف دل عليه {لا يتكلمون}، أي من أذن له في الكلام.
ومعنى أذْن الرحمان: أن من يريد التكلم لا يستطيعُه أو تعتريه رهبة فلا يُقدم على الكلام حتى يستأذن الله فأذن له، وإنما يستأذنه إذا ألهمه الله للاستئذان فإن الإِلهام إذن عند أهل المكاشفات في العامل الأخروي فإذا ألقى الله في النفس أن يستأذن استأذن الله فأذن له كما ورد في حديث الشفاعة من إحجام الأنبياء عن الاستشفاع للناس حتى يأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: «فأَنْطَلِقُ فآتِي تحت العرش فأقع ساجدًّا لربي عز وجل ثم يفتح الله على من محامد وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقول: ارفع رأسك واشْفع تُشفَّع».
وقد أشار إلى هذا قوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28]، أي لمن علموا أن الله ارتضى قبول الشفاعة فيه وهم يعلمون ذلك بإلهام هو من قبيل الوحي لأن الإِلهام في ذلك العالم لا يعتريه الخطأ.
وجملة {وقال صواباً} يجوز أن تكون في موضع الحال من اسم الموصول، أي وقد قال المأذون له في الكلام {صواباً}، أي بإذن الله له في الكلام إذا علم أنه سيتكلم بما يرضي الله.
ويجوز أن تكون عطفاً على جملة {أذن له الرحمن}، أي وإلا من قال صواباً فعُلم أن من لا يقول الصواب لا يؤذَن له.
وفعل {وقال صواباً} مستعمل في معنى المضارع، أي ويقول صواباً، فعبر عنه بالماضي لإفادة تحقق ذلك، أي في علم الله.
وإطلاق صفة {الرحمن} على مقام الجَلالة إيماء إلى أن إذن الله لمن يتكلم في الكلام أثر من آثار رحمته لأنه أذن فيما يحصل به نفع لأهل المحشر من شفاعة أو استغفار.
{ذَلِكَ الْيوم الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39)}
استئناف ابتدائي كالفذلكة لما تقدم من وعيد ووَعد، إنذار وتبشير، سيق مساق التنويه بـ: {يوم الفصل} [النبأ: 17] الذي ابتدئ الكلام عليه من قوله: {إن يوم الفصل كان ميقاتاً} [النبأ: 17].
والمقصود التنويه بعظيم ما يقع فيه من الجزاء بالثواب والعقاب وهو نتيجة أعمال الناس من يوم وجود الإِنسان في الأرض.
فوصف اليوم بالحق يجوز أن يراد به الثابت الواقع كما في قوله تعالى: {وإن الدين لواقع} [الذاريات: 6] قوله آنفاً: {إن يوم الفصل كان ميقاتاً}، فيكون {الحق} بمعنى الثابت مثل ما في قوله تعالى: {واقترب الوعد الحق} [الأنبياء: 97].
ويجوز أن يراد بالحق ما قابل الباطل، أي العدلُ وفصلُ القضاء فيكون وصف اليوم به على وجه المجاز العقلي إذ الحق يقع فيه واليوم ظرف له قال تعالى: {يوم القيامة يفصل بينكم} [الممتحنة: 3].
ويجوز أن يكون الحق بمعنى الحقيق بمسمى اليوم لأنه شاع إطلاق اسم اليوم على اليوم الذي يكون فيه نصر قبيلة على أخرى مثل: يوممِ حليمة، ويوم بُعَاث.
والمعنى: ذلك اليوم الذي يحق له أن يقال: يوم، وليس كأيام انتصار الناس بعضهم على بعض في الدنيا فيكون كقوله تعالى: {ذلك يوم التغابن} [التغابن: 9]، فهو يوم انتقام الله من أعدائه الذين كفروا نعمته وأشركوا به عبيده في الإلهية ويكون وصف الحق بمثل المعنى الذي في قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به} [البقرة: 121]، أي التلاوة الحقيقة باسم التلاوة وهي التلاوة بفهم معاني المتلوّ وأغراضه.
والإِشارة بقوله: {ذلك} إلى اليوم المتقدم في قوله: {إن يوم الفصل كان ميقاتاً} [النبأ: 17].
ومفاد اسم الإشارة في مثل هذا المقام التنبيه على أن المشار إليه حقيق بما سيوصف به بسبب ما سبق من حكاية شؤونه كما في قوله تعالى: {أولئك على هدى من ربهم} [البقرة: 5] بعد قوله: {هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب} إلى قوله: {وبالآخرة هم يوقنون} [البقرة: 2 4]، فلأجل جميع ما وصف به {يوم الفصل} كان حقيقاً بأن يوصف بأنه {اليوم الحق} وما تفرع عن ذلك من قوله: {فمن شاء اتخذ إلى ربه مئاباً}.
وتعريف {اليوم} باللام للدلالة على معنى الكمال، أي هو الأعظم من بين ما يعده الناس من أيام النصر للمنتصرين لأنه يوم يجمع فيه الناس كلهم ويعطى كل واحد منهم ما هو أهله من خير أو شر فكأنَّ ما عداه من الأيام المشهورة في تاريخ البشر غير ثابت الوقوع.
وفرّع عليه {فمن شاء اتخذ إلى ربه مئاباً} بفاء الفصيحة لإفصاحها عن شرط مقدر ناشئ عن الكلام السابق.
والتقدير: فإذا علمتم ذلك كله فمن شاء اتخاذ مآب عند ربه فليتخذه، أي فقد بان لكم ما في ذلك اليوم من خير وشر فليختر صاحب المشيئة ما يليق به للمصير في ذلك اليوم.
والتقدير: مآباً فيه، أي في اليوم.
وهذا التفريع من أبدع الموعظة بالترغيب والترهيب عند ما تَسْنَحُ الفرصة للواعظ من تهيُّؤ النفوس لقبول الموعظة.
والاتخاذ: مبالغة في الأخذ، أي أخَذَ أخْذاً يشبه المطاوعة في التمكن، فالتاء فيه ليست للمطاوعة الحقيقية بل هي مجاز وصَارت بمنزلة الأصلية.
والاتخاذ: الاكتساب والجَعْل، أي ليقتن مكاناً بأن يؤمنَ ويعمل صالحاً لينال مكاناً عند الله لأنّ المآب عنده لا يكون إلا خيراً.
فقوله: {إلى ربه} دل على أنه مآب خير لأن الله لا يرضى إلا بالخير.
والمآب يكون اسم مَكان من آب، إذا رجع فيطلق على المسكن لأن المرء يؤوب إلى مسكنه، ويكون مصدراً ميمياً وهو الأوب، أي الرجوع كقوله تعالى: {إليه أدعو وإليه مآب} [الرعد: 36]، أي رجوعي، أي فليجعل أوْباً مناسباً للقاء ربه، أي أوْباً حسناً.
{إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يوم يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقول الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)} اعتراض بين {مئاباً} [النبأ: 39] وبين {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه} كيفما كان موقع ذلك الظرف حسبما يأتي.
والمقصود من هذه الجملة الإِعذار للمخاطبين بقوارع هذه السورة بحيث لم يبق بينهم وبين العلم بأسباب النجاة وضدها شُبهةٌ ولا خفاء.
فالخبر وهو {إنا أنذرناكم عذاباً قريباً} مستعمل في قطع العذر وليس مستعملاً في إفادة الحكم لأن كون ما سبق إنذاراً أمر معلوم للمخاطبين.
وافتُتح الخبر بحرف التأكيد للمبالغة في الإِعذار بتنزيلهم منزلة من يتردد في ذلك.
وجُعل المسند فعلاً مسنداً إلى الضمير المنفصل لإفادة تقوّي الحكم، مع تمثيل المتكلم في مَثَل المتبرئ من تبعه ما عسى أن يلحق المخاطبين من ضرَ إن لم يأخذوا حذرهم مما أنذرهم به كما يقول النذير عند العرب بعد الإِنذار بالعدوّ «أنا النذير العريان».
والإِنذار: الإِخبار بحصول ما يسوء في مستقبل قريب.
وعُبر عنه بالمضي لأن أعظم الإِنذار قد حصل بما تقدم من قوله: {إن جهنم كانت مرصاداً للطاغين مئاباً} إلى قوله: {فلن نزيدكم إلا عذاباً} [النبأ: 21 30].
وقرب العذاب مستعمل مجازاً في تحققه وإلا فإنه بحسب العرف بعيد، قال تعالى: {إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً} [المعارج: 6، 7]، أي لتحققه فهو كالقريب على أن العذاب يصدق بعذاب الآخرة وهو ما تقدم الإِنذار به، ويصدق بعذاب الدنيا من القتل والأسر في غزوات المسلمين لأهل الشرك.
وعن مقاتل: هو قَتْل قريش ببدر.
ويشمل عذاب يوم الفتح ويوم حنين كما ورد لفظ العذاب لذلك في قوله تعالى: {يعذبهم اللَّه بأيديكم} [التوبة: 14] وقوله: {وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك} [الطور: 47].
{قَرِيباً يوم يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقول الكافر ياليتنى كُنتُ}.
يجوز أن يتعلق بفعلِ: {اتخذ إلى ربه مئاباً} [النبأ: 39] فيكون {يوم ينظر} ظرفاً لغْواً متعلقاً بـ: {أنذرناكم}.
ويجوز أن يكون بدلاً من {يوم يقوم الروح والملائكة صفاً} [النبأ: 38] لأن قيام الملائكة صفّاً حضور لمحاسبة الناس وتنفيذ فصل القضاء عليهم وذلك حين ينظر المرء ما قدمت يداه، أي ما عمله سالفاً فهو بدل من الظرف تابع له في موقعه.
وعلى كلا الوجهين فجملة {إنا أنذرناكم عذاباً قريباً} معترضة بين الظرف ومتعلقه أو بينه وبين ما أبدل منه.
والمرء: اسم للرجل إذ هو اسم مؤنثُه امرأة.
والاقتصار على المرء جَريٌ على غالب استعمال العرب في كلامهم، فالكلام خرج مخرج الغالب في التخاطب لأن المرأة كانت بمعزل عن المشاركة في شؤون ما كان خارجَ البيت.
والمراد: ينظر الإِنسان من ذكر أو أنثى، ما قدمت يداه، وهذا يعلم من استقراء الشريعة الدال على عموم التكاليف للرجال والنساء إلا ما خُص منها بأحد الصنفين لأن الرجل هو المستحضَر في أذهان المتخاطبين عند التخاطب.
وتعريف {المرء} للاستغراق مثل {إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [العصر: 2 3].
وفعل {ينظر} يجوز أن يكون من نظر العين أي البصر، والمعنى: يوم يرى المرء ما قدمته يداه.
ومعنى نظر المرء ما قدمت يداه: حصول جزاء عمله له، فعبر عنه بالنظر لأن الجزاء لا يخلو من أن يكون مرئياً لِصاحِبِه من خير أو شر، فإطلاق النظر هنا على الوجدان على وجه المجاز المرسل بعلاقة الإِطلاق ونظيره قوله تعالى: {ليروا أعمالهم} [الزلزلة: 6]، وقد جاءت الحقيقة في قوله تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً} [آل عمران: 30] الآية، و(ما) موصولة صلتها جملة {قدمت يداه}.
ويجوز أن يكون مِن نظر الفكر، وأصله مجاز شاع حتى لحق بالمعاني الحقيقية كما يقال: هو بخير النظرين.
ومنه التَنظُّر: توقُع الشيء، أي يوم يترقب ويتأمل ما قدمت يداه، وتكون (ما) على هذا الوجه استفهامية وفعل {ينظر} معلقاً عن العمل بسبب الاستفهام، والمعنى: ينظر المرء جوابَ من يسأل: ما قدمت يداه؟
ويجوز أن يكون من الانتظار كقوله تعالى: {هل ينظرون إلاَّ تأويله} [الأعراف: 53].
وتعريف {المرء} تعريف الجنس المفيد للاستغراق.
والتقديم: تسبيق الشيء والابتداء به.
و{ما قدمت يداه} هو ما أسلفه من الأعمال في الدنيا من خير أو شر فلا يختص بما عمله من السيئات فقد قال تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء} [آل عمران: 30] الآية.
وقوله: {ما قدمت يداه} إما مجاز مرسل بإطلاق اليدين على جميع آلات الأعمال وإما أن يَكون بطريقة التمثيل بتشبيه هيئة العامل لأعماله المختلفة بهيئة الصانع للمصنوعات بيديه كما قالوا في المثل: (يَداك أوْكَتا) ولو كان ذلك على قول بلسانه أو مشي برجليه.
ولا يحسن أن يجعل ذكر اليدين من التغليب لأن خصوصية التغليب دون خصوصية التمثيل.
وشمل {ما قدمت يداه} الخير والشر.
وخُص بالذكر من عموم المرء الإِنسانُ الكافر الذي يقول: {يا ليتني كنت تراباً} لأن السورة أقيمت على إنذار منكري البعث فكان ذلك وجه تخصيصه بالذكر، أي يوم يتمنى الكافر أنه لم يخلق من الأحياء فضلاً عن أصحاب العقول المكلفين بالشرائع، أي يتمنى أن يكون غير مدرك ولا حسّاس بأن يكون أقل شيء مما لا إدراك له وهو التراب، وذلك تلهف وتندم على ما قدمت يداه من الكفر.
وقد كانوا يقولون: {أئذا كنا عظاماً ورفاتاً إنا لمبعوثون} [الإسراء: 98] فجعل الله عقابهم بالتحسر وتمني أن يكونوا من جنس التراب.
وذكر وصف الكافر يفهم منه أن المؤمن ليس كذلك لأن المؤمن وإن عمل بعض السيئات وتوقع العقاب على سيئاته فهو يرجو أن تكون عاقبته إلى النعيم وقد قال الله تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً} [آل عمران: 30] وقال: {ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} [الزلزلة: 6 8]، فالمؤمنون يرون ثواب الإيمان وهو أعظم ثواب، وثواب حسناتهم على تفاوتهم فيها ويرجون المصير إلى ذلك الثواب وما يرونه من سيئاتهم لا يطغى على ثواب حسناتهم، فهم كلهم يرجون المصير إلى النعيم، وقد ضرب الله لهم أو لمن يقاربهم مثلاً بقوله: {وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون} [الأعراف: 46] على ما في تفسيرها من وجوه.
وهذه الآية جامعة لما جاء في السورة من أحوال الفريقين وفي آخرها رد العجز على الصدر من ذكر أحوال الكافرين الذين عُرِّفوا بالطاغين وبذلك كان ختام السورة بها براعة مقطع. اهـ.